استطاع العلماء والباحثين بجامعة فرانكفورت الألمانية فهم ظاهرة الملاحة عند الحمام الزاجل وعمله كساعي بريد, لا يضل السبيل ولا يخطئ الهدف إلا إذا تعرض لكارثة تعيق رحلته. وقد كانت الفكرة السائدة عند الإنسان القديم حول اهتداء الحمام الزاجل لسبيله بفضل ما يعرف بالبوصلة الكيميائية التي تعتمد على قوة الملاحظة والذاكرة الجغرافية والارتباط الوثيق بموطنه وبيته. الأمر الذي جعل الإنسان يروضه ويستأنسه ويستفيد من ميزاته.
وأهم الميزات التي تجعل الحمام الزاجل ساعي بريد هي:
- اعتماد الحمام الزاجل على ميل الشمس كمؤشر على اتجاهه
لامتلاكه ساعة حيوية داخلية مرتبطة بتعاقب الليل والنهار, وعند التلاعب بهذه الساعة بتعريض الحمامة لضوء اصطناعي قوي تظن أن النهار قد طال, وفي هذه الحالة وعند إطلاقها إلى مسافة بعيدة فإنها تتخذ اتجاها خاطئا, ولكنها تصححه فيما بعد, وبالتالي فإن الشمس تفيد الحمامة في إعطائها مؤشرا على الاتجاه ولا تفيدها في تحديد موقعها الجغرافي بدقة.
- وجود بلورات مغناطيسية داخل رأس الحمامة.
في عام 1979 فحص العلماء دماغ الحمام الزاجل, واكتشفوا وجود كميات كبيرة من الجزيئات المغناطيسية متمركزة في أسفل جمجمته ضمن نسيج يبلغ سمكه (1 – 2مم), وهذه الجزيئات عند استخراجها تبين أنها تتكون من (بلورات أكسيد الحديد المغناطيسي) ويبلغ عددها حوالي(10) ملايين جزيء تقع في النسيج الدماغي المرتبط ارتباطا وثيقا مع العصب المسؤول عن نقل السيالات العصبية الشمية, وكل ذرة من أكسيد الحديد المغناطيسي تتصرف وكأنها مغناطيس صغير.وهكذا يكون دماغ الحمامة قادرا على تخزين وجهة الطيران في الذاكرة, ووجد الباحثون أن حساسية هذه البلورات تجاه أية تقلبات في شدة المجال المغناطيسي الأرضي مهما كانت ضعيفة هي حساسية دقيقة تساعدها على المقارنة بين شدة المجال المغناطيسي في الأرض التي توجّه إليها وشدته في موطنه الأصلي.
يتمتع الحمام الزاجل بمواهب أودعها الله سبحانه وتعالى في جسمه تمكنه من الملاحة الجوية بحيث لا يضل السبيل ولا يخطئ الهدف إلا إذا تعرض لكارثة تعيق رحلته. |
- قرن آمون في دماغ الحمام الزاجل.
عند مراقبة النشاط الدماغي للحمامة أثناء رحلتها أثبت فريق من علماء الطيور في إيطاليا بأن معالجة المعلومات المكانية تجري في جزء من دماغها يدعى قرن آمون.(hippocampus) ويقع في الفص الصدغي من الدماغ الذي يساعدها في ترجمة المعلومات التي تردها من حواسها.
- منقار الحمام الزاجل
وجد علماء الطيور الألمان عند الحمام الزاجل وفي الخلايا العصبية عند مقدمة المنقار جزيئات مغناطيسية نانومترية من صنفين مختلفين من الحديد الممغنط تضمن له معرفة الاتجاه بالاعتماد على المجال المغناطيسي الأرضي. ولكي نتخيل مدى شدة دقة هذا النظام الملاحي المغناطيسي في منقار الطير تجدر الإشارة إلى أن أي تغيير بحدود 50 نانوتسلا ( التسلا وحدة قياس المجال المغناطيسي) في شدة المجال المغناطيسي الأرضي التي تبلغ 50000 نانوتسلا, يكفي لتنشيط النظام الملاحي الطبيعي ولتوجيه الطير توجيها جديدا.
- كما أن الحمامة تعتمد على جميع حواسها لتحديد موقعها بدقة, فهي تستطيع تحديد موقعها عن طريق حاسة الشم حيث ترسم لنفسها خريطة لرائحة بيتها وتربط بها الروائح التي تستقبلها من الهواء. وبالتالي فهي قادرة على اتباع تسلسل تلك الروائح التي تحدد من خلالها موقعها, وعند التلاعب بهذه الحاسة بإشباع فتحتي الأنف عندها بروائح قوية فإنها تعاني من إيجاد طريقها.
وتحدد موقعها أيضا بالاعتماد على حاسة السمع, فقد تبين بالدراسة أن الحمامة تسمع أصواتا ذات تردد منخفض جدا لا يشعر به الإنسان لتحدد لنفسها خريطة سمعية لموقعها تشمل الأصوات ذات التردد المنخفض الناتج عن أمواج البحر وعن الرياح وحتى عن النشاط الزلزالي للأرض.
- وتعتمد على حاسة النظر حيث ترسم خريطة لمختلف المعالم ذات العلاقة بطريقها وبوجهتها النهائية.
ولمعرفة الدقة في تحديد المسار والطريق المتبع استعان الباحثون بأجهزة تتبع (نظام التوقيع العالمي gps ) المرتبط بالأقمار الصناعية, عند إلصاقها على ظهر الحمامة لمتابعة مسارها في رحلاتها.
والشيء العجيب أن الحمام الزاجل ليس الكائن الوحيد الذي يمتلك مثل هذا النظام الملاحي وهو موجود عند كل الطيور المهاجرة والنحل والدلافين والحيتان بالإضافة إلى سلاحف البحر والكثير من أنواع البكتريا الدقيقة, وكل هذه الأنواع المختلفة من الحيوانات قادرة على تحديد وجهتها الصحيحة بفضل الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض.
قال الله سبحانه:
(هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{11}) سورة لقمان.
وقال سبحانه:
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ{88}) سورة النمل.
المراجع:
القرآن الكريم.
الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي في تفسير الآية (40) من سورة التوبة.
قصص الأنبياء للإمام أبي الفداء إسماعيل ابن كثير/ ص(72).