727 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: قَالَ الْفَرَّاءُ: " الْيَمِينُ: الْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] بِالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] يَقُولُ: كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا مِنْ قِبَلِ الدِّينِ. أَيْ تَأْتُونَنَا تَخْدَعُونَنَا بِأَقْوَى الْوُجُوهِ. قَالُوا: وَالْيَمِينُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَحْمُولٌ فِي بَعْضِهَا عَلَى الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَهُوَ مَا فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي وَرَدَتْ عَلَى وِفْقِ الْآيَةِ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى حُسْنِ الْقَبُولِ، لِأَنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَنَّ أَيْمَانَهُمْ تَكُونُ مُرْصَدَةً لِمَا عَزَّ مِنَ الْأُمُورِ، وَشَمَائِلُهُمْ لِمَا هَانَ مِنْهَا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلَانٌ عِنْدَنَا بِالْيَمِينِ، أَيْ بِالْمَحِلِّ الْجَلِيلِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
-[161]-[البحر الوافر]
أَقُولُ لِنَاقَتِي إِذْ بَلَّغَتْنِي ... لَقَدْ أَصْبَحْتِ عِنْدِي بِالْيَمِينِ
أَيْ بِالْمَحِلِّ الْجَلِيلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» . فَإِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّمَامَ وَالْكَمَالَ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُحِبُّ التَّيَامُنَ وَتَكْرَهُ التَّيَاسُرَ لِمَا فِي التَّيَاسُرِ مِنَ النُّقْصَانِ وَفِي التَّيَامُنِ مِنَ التَّمَامِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «لِيسَ فِيمَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صِفَةِ الْيَدَيْنِ شِمَالٌ لِأَنَّ الشِّمَالَ مَحَلُ النَّقْصِ وَالضَّعْفِ، وَقَدْ رُوِيَ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْيَدِ عِنْدَنَا الْجَارِحَةَ، إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ، فَنَحْنُ نُطْلِقُهَا عَلَى مَا جَاءَتْ وَلَا نُكَيِّفُهَا، وَنَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ انْتَهَى بِنَا الْكِتَابُ وَالْأَخْبَارُ الْمَأْثُورَةُ الصَّحِيحَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ» . قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: «فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ» . فَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ: فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ
