ولكي تقوم حياة الناس على العدل، فقد ذكَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلم بأنه: «كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة» (¬2)، وربط عدله في الدنيا بمصيره في الآخرة، حيث يوضع الميزان، ويحاسب الناس بالقسطاس المستقيم، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - بأن من المُنجِيات: «العدل في الغضب والرضا» (¬3)، وهذه أعلى مراتب العدل؛ إذ قد يعدل المرء في حال الرضا، ولكن يندر أن يعدل وهو غاضب أو ساخط أو كاره، وقد خصَّ الله أهل العدل في الدنيا، بإعلاء شأنهم في الآخرة، وتقريبهم منه سبحانه، كما في الحديث: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين -: الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما وُلُّوا» (¬4).
والأمة المسلمة لا يشفع لها إسلامها في استحقاق التأييد من الله إذا كانت ظالمة، فمن أسباب التمكين في الأرض، والتأييد من الله، أن يُحال دون تفشِّي المظالم، وأن يعمَّ العدل حياةَ المسلمين، ولذلك يقول ابن تيمية: «إن الله يقيم الدولة العادلة - وإن كانت كافرة - ولا يقيم الدولة الظالمة - وإن كانت مؤمنة -» (¬5)، وكذلك فإن دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا؛ لأن فجوره لا يقتضي التعدي عليه بغير حق،
¬_________
(¬1) صحيح الجامع برقم 3064 (حسن) ونصه (ثلاثة لا يرد الله دعاءهم: الذاكر الله كثيرًا والمظلوم، والإمام المقسط).
(¬2) صحيح البخاري - كتاب الصلح - باب 11 - الحديث 2707 (الفتح 5/ 309).
(¬3) سلسلة الأحاديث 4/ 416 الحديث 1802 (حسن).
(¬4) صحيح مسلم - كتاب الإمارة - باب 5 - الحديث 1827 (6/ 452).
(¬5) مجموع فتاوي ابن تيمية 28/ 146.