والرسول - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أنه ما من نبي، ولا خليفة، إلا ويقع بين دواعي بطانتين: «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه» (¬1)، وفي رواية «وبطانة لا تألوه خبالًا» (¬2)، وإذا أردت أن تحتاط لأمر دينك، فمن البداية خذ بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باختيار صالحي المؤمنين لبطانتك: «لا تصاحب إلا مؤمنًا» (¬3) ثم لاحظ ما تراه من حرص أخيك على جلب الخير إليكن وعلى اتقاء مساءتك، فإن أفضلهم صحبة - كما في الحديث - أكثرهم حرصًا على جلب الخير إليك: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه» (¬4).
وأولى الناس بالتقريب، هم أهل العلم والصلاح، ولذلك فقد كانت بطانة عمر - رضي الله عنه - من القراء، روى ابن عباس أنه: (كان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته - كهولًا كانوا أو شبانًا) (¬5)، وكلما كانوا من أهل العلم والتقوى كنت أبعد عن الزلل - بإذن الله - وقد توَّج البخاري أحد أبواب صحيحه بقوله: (وكانت الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم ..) (¬6)، وفي فاتحة باب آخر
¬_________
(¬1) صحيح البخاري - كتاب الأحكام - باب 42 - الحديث 7198 (الفتح 13/ 189).
(¬2) مسند أحمد 2/ 237. وقد صحح أحمد شاكر رحمه الله إسناده (7238).
(¬3) أخرجه ابو داود والترمذي وإسناده حسن (جامع الأصول 6/ 666 الحديث 4966).
(¬4) صحيح سنن الترمذي للألباني 2/ 184 الحديث 1586 (صحيح).
(¬5) صحيح البخاري - كتاب التفسير - باب 5 - الحديث 4642 (الفتح 8/ 304).
(¬6) صحيح البخاري - كتاب الاعتصام - من ترجمة باب 28 (الفتح 13/ 339)