العزة صفة محمودة، والكبر على الناس والعجب بالنفس مذمومان، وإن الله عز وجل قد حط من قيمة الدنيا في نظر المؤمن، وبين هوانها على الله؛ ليعلم الناس جميعًا أنه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10] وأن الله يُكرِّم بها أولياءه حتى وهم في ذروة المحنة
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُون} [المنافقون: 8]، مع كل هذه العزة، فالمطلوب من المؤمن الشديد على الكفار، أن يتراحم مع المؤمنين، واللائق بالمؤمن العزيز على الكافرين، أن يتعامل بالذل على المؤمنين.
يقول ابن قدامة المقدسي في حديثه عن التواضع: (واعلم أن هذا الخلق كسائر الأخلاق، له طرفان ووسط: فطرفه الذي يميل إلى الزيادة يسمى تكبرًا، وطرفه الذي يميل إلى النقصان يسمى تخسسًا ومذلة. والوسط يسمى تواضعًا - وهو المحمود - وهو أن يتواضع من غير مذلة ..) (¬2).
إن من تأديب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين على خلق (الذلة على المؤمنين) أنه كان يدعو: «اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين» (¬3)، يقول ابن الأثير: (أراد به التواضع
¬_________
(¬1) تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 3/ 412.
(¬2) مختصر منهاج القاصدين ص 254.
(¬3) صحيح سنن الترمذي 2/ 275 كتاب الزاهد - باب 23 - الحديث 1917/ 2471 (صحيح).