وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعلِّم أصحابه أن يدعوا ربهم بدفع الظلم عنهم، ووقايتهم من شرور كل ظالم؛ لينمي في نفوسهم بغض الظلم والظالمين، وليزرع في قلوبهم مشاعر العزة والكرامة، وقلما كان يقوم من مجلس حتى يدعو لأصحابه بمثل قوله: «واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا .. ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا» (¬2)، وفي حديث آخر دعاؤه: «ربِّ أعنِّي ولا تُعِن عليَّ، وانصرني ولا تنصر علي، واهدني ويسر الهدى إليَّ، وانصرني على من بغى عليَّ ...» (¬3)، أفلا يرتجف قلب الظالم من دعوة مظلوميه؟ أو لا تنبعث في نفوسنا دوافع رفع الظلم وإفشاء العدل والتواصي به؟
ومما يُفتن به الظالم الوجيه في قومه أنه لا يرى مَن يزجره، بل قد يجد مُن يُحسِّن له عدوانه، ويُبرره له بأنه عين الحكمة - كما هو شأن بطانة السوء في كل زمان - فليراجع كل ظالم نفسه إذا كان حريصًا على نجاته، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يكون أمراء فلا يُرَدُّ عليهم قولهم، يتهاتفون في النار يتبع بعضهم بعضًا» (¬4).
وأولى بالبطانة أن تحضَّ على الخير، وتقف مع صاحب الحق، كما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انتهر الصحابة أعرابيًّا اشتد على رسول الله في طلب دَينه، فقال
¬_________
(¬1) الحديث متفق عليه (جامع الأصول 2/ 195 برقم 671).
(¬2) صحيح سنن الترمذي للألباني 3/ 168 برقم 2783/ 3749 (حسن).
(¬3) صحيح سنن الترمذي للألباني 3/ 178 برقم 2816/ 3803 (حسن).
(¬4) سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 398 برقم 1790 (حسن).