ولقد ضرب أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مثلاً رفيعًا في سرعة الفيئة حين علم أن مسطح بن أثاثة الذي يأكل من نفقة أبي بكر كان قد شارك في اتهام ابنته السيدة عائشة بحديث الإفك، فأقسم أبو بكر ألا يُنفَق عليه، ونزل قوله تعالى: {وَلَا يَاتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، فما أن سمع أبو بكر خاتمة الآية حتى صاح: (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي)، وتغلَّب على عواطفه التي تدعوه للثأر لغرض ابنته البريئة (فرجع إلى مِسطَح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا) (¬3).
ليس العيب في الوقوع في الخطأ؛ إذ «كل بني آدم خطاء. وخير الخطائين التوابون» (¬4)، وإنما تكمن المصيبة في الإصرار على الخطأ والتمادي في الباطل، مع أن أبواب الرحمة مفتحة تدعونا لسرعة الفيئة «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار
¬_________
(¬1) صحيح البخاري - كتاب الإيمان - باب 24 - الحديث 34.
(¬2) فتح الباري 1/ 90.
(¬3) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب 34 - الحديث 4141 (الفتح 7/ 434).
(¬4) صحيح سنن ابن ماجه للألباني 2/ 418 الحديث 3428 (حسن).