ومَن لم يُرزَق الحياء بالفطرة، طُولِب به بالقصد والاكتساب والتعلُّم، خاصة وأنه الخلق المميز لأتباع هذا الدين، كما جاء في الحدث الحسن: «إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء» (¬2)، وقد ورد أنه من سنن المرسلين، وأنه من الإيمان: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبَذاء من الجفاء، والجفاء في النار» (¬3)، وقد كان حبيبنا وقدوتنا (أشد حياء من العذراء في خدرها) (¬4) (وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حييًّا كريمًا يستحيي ..) (¬5)، وبعد كل ذلك هل نختار الحياء أم البَذاء؟ ونتحلى بالإيمان أم بالجفاء؟ ونُؤثِر أخلاق أهل الجنة أم أخلاق أهل النار؟
لقد كان أهل الجاهلية - على جاهليتهم - يتحرَّجون من بعض القبائح بدافع الحياء، ومن ذلك ما جرى مع أبي سفيان عند هرقل، لَمَّا سئل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقول في ذلك: (فوالله لولا الحياء من أن يؤثروا عليَّ كذبًا، لكذبتُ عنه) (¬6)، فمنعه من الحياء الافتراء على رسول الله، لئلا يوصف بالكذب، ويشاع عنه ذلك.
وكذلك ما جرى مع السيدة خديجة، حيث وافق أبوها في حضرة جمعٍ من قريش - وهو سكران - على خطبتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما صحا من سكره، وفكَّر
¬_________
(¬1) المصدر السابق، عند شرح ابن حجر لقطعة من الحديث 130 من صحيح البخاري.
(¬2) صحيح سنن ابن ماجه 2/ 406 - الحديث 3370/ 4181 (حسن).
(¬3) صحيح سنن ابن ماجة 2/ 406 - الحديث 3373/ 4184 (صحيح).
(¬4) صحيح البخاري - كتاب الأدب - باب 77 - الحديث 6119 (الفتح 10/ 521).
(¬5) مسند أحمد 6/ 314.
(¬6) صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي - باب 6 - الحديث 7 (الفتح /31).