وإنما يكون هلاك الأمة باختلافها كما جاء في الحديث: «.. فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» (¬2)، ولو تنازل بعضهم لما اختلفوا، ولما هلكوا، وقد كان القرن الأول في أسمى صور المطاوعة، ومن ذلك ما ورد أن عثمان - رضي الله عنه - صلى في منًى أربعًا فبلغ ذلك ابن مسعود - رضي الله عنه - فأزعجه ما سمع، ومع ذلك صلى معه أربعًا، فلما سئل عن ذلك قال: (الخلاف شر) (¬3)، ولما نُوقشت البيعة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رجل من الأنصار: منا رجل ومنكم رجل، فقال عمر - رضي الله عنه -: (سيفان في غمد واحد؟! إذا لا يصطلحان) (¬4)، وهذا من فقه عمر - رضي الله عنه -.
وإن النفوس العالية لتملك أن تعامل بسلامة الصدر مهما عظم الخلاف فقد قال علي - رضي الله عنه - في حق من خرجوا عليه يوم الجمل حين سئل عنهم: أكفار هم؟ أم منافقون؟ أم ماذا؟ فقال: (إخواننا بغوا علينا) (¬5) ولم يقبل أن يتهمهم بكفر أو نفاق، وقد كان ممن قاتله في معركة الجمل الصحابي طلحة - رضي الله عنه -، فكان يقول لعمران بن
¬_________
(¬1) أخرجه أبو داود وإسناده صحيح (جامع الأصول 11/ 734 برقم 9419).
(¬2) صحيح البخاري - كتاب الخصومات - باب 1 - الحديث 2410 (الفتح 5/ 70).
(¬3) حياة الصحابة 2/ 9 (نقلًا عن الكنز 4/ 242).
(¬4) سنن البيهقي 8/ 173.
(¬5) طبقات بن سعد 3/ 224، وسنن البيهقي 8/ 173.