وإذا ما تذكَّر المؤمن نعمة الله عليه بالهداية، وذاق حلاوة الإيمان ونعيم الطاعة، فلن يبخل بالكلمة الطيبة؛ ليستنفذ بها أناسًا مازالوا محرومين مما ذاق، ومحجوبين عمَّا عرَف، ولذلك ضرب - صلى الله عليه وسلم - مثلًا بالأرض الطيبة التي قبلت الغيث فأنبتت، فقال: «فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل، ونفعه الله عز وجل بما بعثني به، ونفع به فعلم وعلَّم ..» (¬2)، والداعية الحريص هو الأرض الطيبة التي تشرَّبت الخير وجادت به.
ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتركَ فرصة ركوب غلام - كابن عباس - خلفه دون أن يزيده انتفاعًا بما يربِّيه ويملأ وقت الطريق، فقال له: «ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، احفظ الله يحفظك ..» (¬3)، واصطبغ الصحابة رضي الله عنهم بهذا الخُلُق، وكان هذا شأن أبي هريرة مع أنس بن حكيم حيث قال له: (يا فتى، ألا أحدثك حديثًا لعل الله أن
¬_________
(¬1) مسند أحمد 4/ 423، ورواه مسلم بلفظ مقارب في كتاب البر برقم 132/ 1914.
(¬2) صحيح البخاري - كتاب العلم - باب 20 - الحديث 79 (فتح الباري 1/ 175).
(¬3) مسند أحمد 1/ 307، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7957.