ومن الصور المفجرة لمعاني الحب تبادل العَلاقات الأخوية، والإكثار من الصلات الودية، من نوع ما عبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «تصاحفوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء» (¬2)، وكم تذيب الهدية من رواسب الحقد، وكم يمحو البَدْء بالسلام من وحر الصدور؛ حيث لا تكون المصافحة مجرد تلامس للأكف، ولا إلقاء السلام مجرد ألفاظ تتحرك بها الشفاه، وإنما حيث يكون السلام بمعناه الأوسع والأعم، الذي يؤهلنا لدخول الجنة، ويحقق المحبة بيننا، وذلك ما عبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (¬3).
ومما يعبر عن صدق الأخوة وحقيقة الألفة: ما تقدمه لأخيك من دعوات صالحات، حيث لا يسمعك ولا يراك، وحيث لا شبهة للرياء أو المداهنة، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل» (¬4).
يقول النووي: (وكان بعض السلف إذا
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري ومسلم (جامع الأصول 6/ 547 برقم 4771).
(¬2) موطأ مالك 2/ 908 كتاب حسن الخلق - باب 4 - الحديث 16. قال ابن عبد البر: هذا يتصل من وجوه شتى حسان كلها.
(¬3) صحيح الجامع برقم 7081 (صحيح).
(¬4) صحيح مسلم - كتاب الذكر - باب 23 - الحديث 88.