ويشخِّص ابن قدامة المقدسي هذا المرض، فيقول: (تعلم أن النفس قد جُبِلت على حبِّ الرفعة، فهي لا تحب أن يعلوها جنسها، فإذا علا عليه شق عليها، وكرِهَته، وأحبَّت زوال ذلك ليقع التساوي، وهذا أمر مركوز في الطباع، فأما إن أحب أن يسبق أقرانه، ويطلع على ما لم يُدرِكوه، فإنه لا يأثم بذلك، لإنه لم يؤثر زوال ما عندهم عنهم، بل أحب الارتفاع عنهم؛ ليزيد حظه عند ربه) (¬1).
والأمر خطير يحتاج إلى ضبط المشاعر، وتنقية القلب، وإخلاص القصد لئلا يخرج هذا التنافس عن الحدّ المحمود إلى الحسد والتباغض.
ومن بشرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحاب التنافسِ الشريف، والبراءةِ من التحاسد: أن أول زمرة يدخلون الجنة «قلوبهم على قلب رجل واحد؛ لا تباغض بينهم ولا تحاسد» (¬2).
ولا يمكن أن يتماسك مجتمع الساعين لاستئناف المجتمع الإسلامي الكبير، ما لم يتطهر مجتمعهم الصغير الناشئ من الكيد والتحاسد، وما لم يستنزف جهودَهم التنافسُ في الخيرات.
¬_________
(¬1) مختصر منهاج القاصدين ص 202.
(¬2) صحيح البخاري - كتاب بدء الخلق - باب 8 - الحديث 3254 (فتح الباري 6/ 320).