ولقد كان من أكبر نعم الله في بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن ألَّف به بين قوم قَوِيت بينهم العصبيات، ولذلك قال في خطبته في الأنصار بعد حنين: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلاَّلًا فهداكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي، ومتفرِّقين فألَّفكم الله بي» (¬3).
وهكذا شأن المسلم يؤلف بين المتفرقين ويأتلف حوله المحبون.
قد تستطيع أن تجمع الناس حولك بعَرَضٍ من الدنيا، ولكنك لا تستطيع أن تجعلهم لُحمةً واحدة وجسدًا متماسكًا إلا بتوفيق من الله يسكب الألفة في القلوب فيجمعها على هدف واحد، {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ...} [الأنفال: 63].
ويرى صاحب الظلال صورةً من الإعجاز في التأليف بين قلوب
¬_________
(¬1) الجامع لأحكام القرآن 4/ 159.
(¬2) أخرجه البخاري ومسلم (جامع الأصول 2/ 470 - الحديث 932).
(¬3) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب 56 - الحديث 4330 (الفتح 8/ 47).