أن تكون متَّصِفًا بخلق الألفة أمرٌ يقتضي منك من سَعَة الصدر ما تحب به الناس، ومن حسن الخلق ما يجعل الناس يحبُّونك، فتكون بذلك سببًا من أسباب اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وترابط القلوب، وعندئذٍ تكون بحق أليفًا ومألوفًا.
ربط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلق (الألفة) بالإيمان، فقال: (المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمَن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفهم للناس) (¬1)، ولذلك فإن عدم الألفة من صفات المنافقين كما جاء في الحديث: (إن للمنافقين علامات يُعرفون بها: مستكبرين لا يألَفون ولا يُؤلَفون) (¬2).
إن الاجتماع على الحب في الله، وائتلاف القلوب على الطاعة، وخلوصها من نوازع الجاهلية، لنعمة كبيرة تستحق لفت الأنظار إليها؛ للمحافظة عليها، وعدم التفريط فيها، فقد قال تعالى: {... وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ ...} [آل عمران: 103].
ويشير القرطبي إلى لفتةٍ طيبة حول مطلع الآية: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ...} [آل عمران: 103]، فيقول: (وليس فيه
¬_________
(¬1) سلسلة الأحاديث الصحيحة - الحديث 426 (حسن).
(¬2) مسند أحمد 2/ 293 - في سنده عبد الملك بن قدامة الجحي: وثقه ابن معين وغيره، وضعفه الدارقطني وغيره (حاشية جمع الفوائد 2/ 403).