إن أصحاب المروءة من أبناء الجاهلية يتعايَرون بالجبن، ويتفاخرون بالشجاعة، ويمثل هذا المعنى الحوار الذي دار بين أبي جهل وعتبة بن ربيعة يوم بدر، حيث قال عتبة: (يا قوم، إني أرى قومًا مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم، اعصبوها اليوم برأسي، وقولا جبن عتبة بن ربيعة - وقد علمتُم أني لست بأجبنكم، فسمع ذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا؟! والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته، قد ملأت رئتك جوفك رعبًا، فقال عتبة: إياي تعير يا مُصفِّر استه؟! ستعلم اليوم أينا الجبان) (¬2).
ولأن الجبن شر فقد استعاذ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن ..» (¬3)، ولقد اعتبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شر صفات الرجال: «شر ما في رجل: شُح هالع، وجبن خالع ..» (¬4)، ومثل هذا الجبن الذي يخلع القلوب إنما ينشأ من طبيعة التربية وآثار البيئة، وأمثال المجتمع
¬_________
(¬1) صحيح سنن الترمذي للألباني - كتاب التفسير: آل عمران - الحديث 2406/ 3208 (صحيح).
(¬2) مسند أحمد 1/ 117، وعن بلوغ الأماني 20/ 32: (قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح، غير حارثة بن مضرب وهو ثقة).
(¬3) صحيح البخاري - كتاب الجهاد - باب 25 - الحديث 2822.
(¬4) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الجهاد - باب 22 - الحديث 2192/ 2511 (صحيح).