نرى كثيرًا من الطاقات المدفونة بين جوانح أصحابها، ونلمس جوانب من الخير كامنة في نفوس أربابها، ولكنها غير متعدية إلى الآخرين لا بنفع ولا إفادة. وكم تكون الصورة محزنة حين تجد فقيهًا بصحبة جاهل لم يُفِدْه من فقهه، وقارئًا برفقة أُميٍّ لم ينفعه بحسن تلاوته، وعابدًا بجوار فاسق ولم يتعدَّ إليه شيء من صلاحه.
الدعوة نفسها نفع عام، فحين دخل أبو ذر في الإسلام كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه أن قال له: «فهل أنت مُبلِّغ عني قومك؛ لعل الله عز وجل أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم» (¬2)، وكانت التربية الأولى لحديث الدخول في الإسلام تربية على الدعوة، والحرص على تعدِّي نفعه إلى الآخرين.
وكان خالٌ لجابر بن عبد الله يَرقِي من العقرب، فقال: (يا رسول الله، إنك نهيت عن الرقي، وإني أرقي من العقرب)، وكأنه يستأذن في ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل» (¬3)، ومع التشديد الوارد بشأن السحر، فقد أفتى سعيد بن المسيب بجواز
¬_________
(¬1) صحيح الجامع برقم 176 (حسن).
(¬2) صحيح مسلم - كتاب الفضائل - باب 28 - الحديث 132/ 2473 (شرح النووي 8/ 260).
(¬3) مسند أحمد 3/ 302، ورواه مسلم في كتاب السلام برقم 62/ 2199 (شرح النووي 7/ 436).