وافة من بلي بالجمع والإستكثار ومني بالإمساك والادّخار حتى انصرف عن رشده فغوى وانحرف عن سنن قصده فهوى أن يستولي عليه حب المال وبعد الأمل فيبعثه حب المال على الحرص في طلبه ويدعوه بعد الأمل على الشح به والحرص والشح أصل لكل ذم وسبب لكل لؤم لأن الشح يمنع من أداء الحقوق ويبعث على القطعية والعقوق ولذلك قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: شر ما أعطى العبد شح هالع وجبن خالع. وقال بعض الحكماء: الغنيّ البخيل كالقويّ الجبان. وأما الحرص فيسلب فضائل النفس لاستيلائه عليها ويمنع من التوفر على العبادة لتشاغله عنها ويبعث على التورّط في الشبهات لقلة تحرزه منها وهذه ثلاث حالات هن جامعات الرذائل سالبات الفضائل مع أن الحريص لا يستزيد بحرصه زيادة على رزقه سوى إذلال نفسه وإسخاط خالقه وروي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «الحريص الجاهد والقنوع الزاهد يستوفيان أكلهما غير منتقص منه فعلام التهافت» وقال بعض الحكماء: الحرص مفسدة للدين والمروءة واللّه ما عرفت من وجه رجل رصا فرأيت أن فيه مصطنعا. وقال آخر: الحريص أسير مهانة لا يفك أسره. وقال بعض البلغاء: المقادير الغالبة لا تنال بالمغالبة. والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشدّة والمكالبة فذلل للمقادير نفسك واعلم بأنك غير نائل بالحرص إلّا حفظك. وقال بعض الأدباء: رب حظ أدركه غير طالبه ودرّ أحرزه غير حالبه.
وأنشدني بعض أهل الأدب لمحمد بن حازم:
يا أسير الطمع الكا ... ذب في غل الهوان