لا تبع الدنيا وأيامها ... ذما وإن دارت بك الدائرة
من شرف الدنيا ومن فضلها ... أنّ بها تستدرك الآخره
فإذا قد لزم بما بيناه النظر في أمور الدنيا فواجب سبر أحوالها والكشف عن جهة انتظامها واختلالها لنعلم أسباب صلاحها وفسادها ومواد عمرانها وخرابها لتنتفي عن أهلها شبه الحيرة وتنجلي لهم أسباب الخيرة فيقصدوا الأمور من أبوابها ويعتمدوا صلاح قواعدها وأسبابها.
واعلم أن صلاح الدنيا معتبر من وجهين: أوّلهما ما ينتظم به أمور جملتها. والثاني ما يصلح به حال كل واحد من أهلها فهما شيئان لا صلاح لأحدهما إلّا بصاحبه لأن من صلحت حاله مع فساد الدنيا واختلال أمورها لن يعدم أن يتعدى إليه فسادها ويقدح فيه اختلالها لأنه منها يستمدّ ولها يستعدّ ومن فسدت حاله مع صلاح الدنيا وانتظام أمورها لم يجد لصلاحها لذة ولاستقامتها أثرا لأن الإنسان دنيا نفسه فليس يرى الصلاح إلّا إذا صلحت له ولا يجد الفساد إلّا إذا فسدت عليه لأن نفسه أخص وحاله أمس