وفي حديث آخر دعا بعض الصحابة على رجل سكران أن يخزيه الله، فكانت لفتنة النبي - صلى الله عليه وسلم - المفعمة بالحب والأخوة أن: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم» (¬3)، ليَلفِت أنظارهم للدعوة له بالمغفرة، والتوجُّه إليه بالنصح، بدل الدعوة عليه فيما يُفرح الشيطان، ويقوِّيه عليه.
وفي الأثر: أن أبا الدرداء - رضي الله عنه - مر على رجل قد أصاب ذنبًا، فكانوا يسبُّونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قَليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبُّوا أخاكم، واحمَدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أفلا تُبغِضه؟ قال: إنما أُبغِض عمله، فإذا تركه فهو أخي (¬4)، وكم من أواصر الأخوة قطعت! وكم حقنت القلوب بالعداوة والغيظ لاجتهاد خاطئ! مع أن في الأمر سَعَة للحفاظ على مودة وأخوة من وقع في المعصية، فكيف بأخوة مَن زلَّ في رأي أو انزلق في اجتهاد؟! ذلك لأن مصدر الأخوَّة ومنبع الحب مازال قائمًا فيه؛ ألا وهو إكرام عقيدة الإيمان التي يحملها، وكلمة التوحيد التي يدعو
¬_________
(¬1) صحيح البخاري - كتاب الحدود - باب 5 - الحديث 6780.
(¬2) فتح الباري 12/ 78 عند شرح الحديث 6780.
(¬3) صحيح البخاري - كتاب الحدود - باب 5 - الحديث 6781.
(¬4) عن حياة الصحابة 3/ 413.