والصحابة بايعوا على قول الحق وإن كان مُرًّا، وعلى ألا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن يقولوا بالحق حيثما كانوا؟ وعلى النصح لكل مسلم، ومع كل ذلك فلماذا لا نرتاح للصراحة؟!
ألا يتوقع الذين يكرهون الصراحة أن الناس يمكنهم أن يداروهم في الظاهر، ويمقتوهم في الباطن، كما قال أبو الدرداء: (إنا لنَكْشِرُ في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم) (¬2)، وعندئذٍ أيهما أحب إلى العاقل، صديق صادق صريبح، أم منافق في كيل المديح فصيح؟
من تربية القرآن على الصراحة، وعلى حسن قبولها، أدب الاستئذان الذي علمنا الله إياه، بقوله: {... وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ...} [النور: 28]، الرجوع أزكى للمزور لئلا يؤخذ بالحياء وهو كارهٌ، وأزكى للزائر لئلا يكون ثقيل الظل على الآخرين. فإن عدمت الصراحة، وغلبت المجاملات، فقدت الزيارات غايتها، وحُرمت القلوب تزكيتها.
وقد كانت (الصراحة بالنصيحة) مطلبًا يسعى إليه الأمراء، وذكرى يبادر إليها العلماء، روي أن عمر - رضي الله عنه -، ذكرت عنده امرأة حامل - قد غاب زوجها - بسوء، وأنه كان يدخل عليها الرجال، فبعث إليها فقالت: (يا ويلها، ما لها ولعمر)، فبينما هي في الطريق ضربها الطلق لخوفها من عمر فألقت ولدًا، فصاح الصبي صيحتين،
¬_________
(¬1) الخلق الكامل 4/ 248.
(¬2) من معلقات البخاري في ترجمة باب 82 من كتاب الأدب (الفتح 10/ 527).