فلا يحزننَّ أصحاب الوجاهة من صراحة أتباعهم، ولا يستاءنَّ المؤمن الداعية من وضوح إخوانه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رفعة قدره، ووجوب طاعته، كان يقابل الصرحاء بالتبسم، وبالكلمة الطيبة.
وفي قصة بيعة العقبة أن أبا الهيثم بن التَّيِّهان - رضي الله عنه -، أراد أن يستوثق ويتثبت من مستقبل هذه البيعة، فقال - بصراحة -: (يا رسول الله.، إن بيننا وبين الرجال حبالاً - يعني اليهود - وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله، أن ترجع إلى قومك، وتدعنا؟)، لم ينفعل رسول الله ولم يغضب ولم يقل كما يقول الكثيرون: ألا تثقون بنا؟ أين الجندية؟ أين الثقة بالقيادة؟! بل (تبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «بل الدَّم الدَّم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم» (¬1)، بهذه التربية تعلَّم الصحابة أن ينطقوا بالصراحة، وأن يقبلوها ممن يصارحهم.
وحين قام رجل يأمر عمر - رضي الله عنه - بالتقوى، اعترض بعض الحاضرين، فقال عمر: (دعوه فليقلها، لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها) (¬2).
إن الصراحة تدعو صاحبها للاعتراف بضعفه، والتراجع عن خطئه، ومن الأمثلة المعاصرة ما ذكره الدكتور
¬_________
(¬1) مسند أحمد 3/ 462 وذكره ابن إسحاق - ورجاله كلهم ثقات - (بلوغ الأماني 20/ 274)
(¬2) عن كتاب (أخلاقنا الاجتماعية) ص 53.