ثم كيف تكون قاصدًا منزلةَ الشهداء إن لم تكن صادق التوكل على الله؟!
يروي البخاري عن عائشة في أجر الصابر على الطاعون قوله - صلى الله عليه وسلم -: «... فليس من عبدٍ يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد» (¬2).
ثم يعلق ابن حجر
فيقول: (صابرًا؛ أي: غير منزعج ولا قلق، بل مُسلِّمًا لأمر الله، راضيًا بقضائه - وهذا قيد في حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون - .. وقوله: يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له - قيد آخر -) (¬3).
وملاك الأمر كله في الاستعداد للشهادة الإخلاص وتجريد النية من الشوائب.
وتأمَّل هذه الصورة من غزوة خيبر لرجل يقاتل المشركين: (رجل لا يدع لهم شاذَّة ولا فاذَّة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقيل: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان) (¬4)، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه في النار؛ لما يعلم من نفاقه، وتبعه صحابي فوجده لم يصبر على جراحه فقتل نفسه، ولذلك جاء في الحديث: «إن أكثر
¬_________
(¬1) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الملاحم - باب 5 - الحديث 3610/ 4297 (صحيح).
(¬2) صحيح البخاري - كتاب الطب - باب 31 - الحديث 5734.
(¬3) فتح الباري 10/ 193، عند شرحه للحديث 5734.
(¬4) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب 38 - الحديث 4202.