وقال أبو علي الدقاق: (حقيقة الصبر ألا يعترض على المقدور ..) (¬1).
والحياة صراع بين الحق والباطل، ويفوز في هذا الصراع الأطول نفسًا والأكثر احتمالًا: {.... وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ...} [الفرقان: 20].
ويتواصى أهل الباطل بالصبر على باطلهم: {وَانطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ ...} [ص: 6] {إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا ...} [الفرقان: 42]، أفلا يقول أهل الحق للمبطلين: {... وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا ...} [إبراهيم: 12] حتى تتحقق فيهم سنة الله بالنصر والتمكين: {... وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ...} [الأعراف: 137] {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ...} [السجدة: 24].
كثير من الناس يتعللون بأن طباعهم تغلبهم، وأنه ليس لديهم القدرة على التحمل والصبر، ولو جاهد أحدهم نفسه لكظم الغيظ، وعف عن الحرام، ووسع صدره، وقنع بما آتاه الله إياه، وتجلد على ما ابتلاه الله به؛ حتى يكتسب هذا الخلق، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «ومن يستعفِفْ يعفَّه الله، ومن يستغنِ يُغنِه الله، ومن يتصبر يصبِّره الله ..» (¬2).
ويوضح هذا المعنى ابنُ حجر بقوله: (.. يصبره الله: أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له، ويذعن لتحمل الشدة، فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه) (¬3).
¬_________
(¬1) قول ابن عطاء، وقول الدقاق من شرح النووي لصحيح مسلم 2/ 104.
(¬2) صحيح البخاري كتاب الزكاة - باب 50 - الحديث 1469 (فتح الباري 3/ 335).
(¬3) فتح الباري 11/ 304 - كتاب الرقاق - باب 20 - من شرح الحديث 6470.