لقد مرت اللغة العربية باطوار مختلفة اعلاها كعباً هو الطور القرآني، الذي به غدت لغة فصاحة عالية متحدية كل فصيح من أبنائها المفوهين البلغاء، ولأجل هذا اقرَّ الوليد بن المغيرة (ت 2هـ) بذلك قائلاً: " فوالله ما منكم رجل أعرف بالاشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيدهِ مني، ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، واللهِ إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وان عليه لطلاوة، وانه لمثمر اعلاه، مغدق اسفله، وانه ليعلو ولا يعلى، وانه ليحطم ما تحته "، (¬1) وهذا امر لا يقبل الجدل، فقد أقر الرسول (- صلى الله عليه وسلم -) ان ((سيد الكلام القرآن))، (¬2) ومصداق هذا قوله (- سبحانه وتعالى -): {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}، (¬3) وقد صرح الله (- عز وجل -) في اكثر من آية ان القرآن الكتاب مبين، (¬4) وقد نزل على رسول مبين بليغ فصيح، وبيانه في قوله (- سبحانه وتعالى -): {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ}، (¬5) ولفصاحة العربية واتصالها الوثيق بالقرآن الكريم رأى فيها (جون فرن) أنها لغة المستقبل لزوال غيرها وثبوت سيادتها المتصلة بسيادة القرآن الكريم، (¬6) والقرآن - كما يراه ابن عطية (ت 541هـ) - حجة من وجهين هما:
- ظاهر القرآن حجة على فصحاء العرب بنظمهِ الذي لا يتطرق اليه عيب.
- باطن القرآن حجة على علماء العجم بعلمه الذي لاتبقى معه مادة لريب. (¬7)
¬__________
(¬1) ينظر: تفسير القرآن للصنعاني: 2/ 328، الطبري: 29/ 156، دلائل الإعجاز: 388، 581، 582، 584، 619، البرهان للزملكاني: 56، البرهان للزركشي: 2/ 118 - 119، المزهر: 2/ 345، مباحث في علوم القرآن، د. صبحي: 46، القرآن وعلم القراءة: 113 - 114.
(¬2) الفخر: 7/ 3، وينظر: المزهر: 2/ 213.
(¬3) البقرة: 99.
(¬4) ينظر: الايات: المائدة: 15، يونس: 61، هود: 6، يوسف: 1، الحجر: 1، النحل: 3، الشعراء: 2، 195، النمل: 75، القصص: 2، سبأ: 3، الدخان: 3.
(¬5) الدخان: 13.
(¬6) ينظر: قضايا قرآنية: 44 - 45، من الدراسات القرآنية، د. مكرم: 52.
(¬7) ينظر: مقدمتان: 23، اثر القرآن الكريم، الباقوري: 125 - 126.
