وحكي أن الإسكندر قال لحكماء الهند وقد رأى قلة الشرائع بها: لم صارت سنن بلادكم قليلة؟ قالوا: لإعطائنا الحق من أنفسنا ولعدل ملوكنا فينا فقال لهم: أيما أفضل العدل أم الشجاعة؟ قالوا: إذا استعمل العدل أغنى عن الشجاعة. وقال بعض الحكماء: بالعدل والإنصاف تكون مدة الإئتلاف.
وقال بعض البلغاء: إن العدل ميزان اللّه الذي وضعه للخلق ونصبه للحق فلا تخالفه في ميزانه ولا تعارضه في سلطانه واستعن على العدل بخلتين:
قلة الطمع وكثرة الورع. فإذا كان العدل من إحدى قواعد الدنيا التي لا انتظام لها إلّا به ولا صلاح فيها إلّا معه وجب أن يبدأ بعدل الإنسان في نفسه ثم بعدله في غيره. فأما عدله في نفسه فيكون بحملها على المصالح وكفها عن القبائح ثم بالوقوف في أحوالها على أعدل الأمرين من تجاوز أو تقصير فإن التجاوز فيها جور والتقصير فيها ظلم ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم ومن جار عليها فهو على غيره أجور. وقد قال بعض الحكماء: من توانى في نفسه ضاع. وأما عدله مع غيره فقد ينقسم حال الإنسان مع غيره على ثلاثة أقسام: فالقسم الأوّل عدل الإنسان فيمن دونه كالسلطان في رعيته والرئيس مع صحابته فعدله فيهم يكون بأربعة أشياء، باتباع الميسور وحذف المعسور وترك التسلط بالقوّة وابتغاء الحق في السيرة فإن اتباع