وللنفس آداب هي تمام طاعتها وكمال مصلحتها وقد أفردنا لها من هذا الكتاب بابا واقتصرنا في هذا الموضع على ما قد اقتضاه الترتيب واستدعاه التقريب.
(وأما القاعدة الثانية) التي هي الألفة الجامعة
فلأن الإنسان مقصود بالأذية محسود بالنعمة فإذا لم يكن آلفا مألوفا تخطفته أيدي حاسديه وتحكمت فيه أهواء أعاديه فلم تسلم له نعمة ولم تصف له مدّة فإذا كان آلفا مألوفا انتصر بالألفة على أعاديه وامتنع من حاسديه فسلمت نعمته منهم وصفت مدّته عنهم وإن كان صفو الزمان غرّة وسلمه خطرا. وقد روى ابن جريج عن عطاء رحمهما اللّه عن جابر رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال:
«المؤمن آلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس». وروي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «إن اللّه تعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه اللّه أمركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» وكل ذلك حث منه صلّى اللّه عليه وسلّم على الألفة.
والعرب تقول: من قل ذلك. وقال قيس بن عاصم:
إن القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيّد،
عزت فلم تكسر وإن هي بدّدت ... فالوهن والتكسير للمتبدّد
وإذا كانت الألفة بما أثبت تجمع الشمل وتمنع الذل اقتصت الحال ذكر أسبابها. و
أسباب الألفة خمسة
: وهي الدّين والنسب والمصاهرة والمودّة