الحمد لله منشئ الديم، وخالق النعم، ومبرئ الألم، وواضع العلم، قرآناً يهتدَى بالتلاوة والقلم. فـ {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأْكْرَمُ - الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ - عَلَّمَ الإِْنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (¬1) به عَلّم الرسول الأمين؛ جوهر الكتاب المبين، ما بين عرشه والأرضين، تاج الدين، ودليل المتقين إلى خير الدارين.
أما بعد فالقرآن الكريم دوحة مباركة، مخضلة أغصانها مزهرة أفنانها، يرتوي الناظر إليها بلا ريّ، ويستظل بها اللاغب بلا فيّ، تلاوته لينة غضة تخلب الأسماع، وتزع القلوب عن الاطماع، وتبهر العقول بالإيماء والإلماع، فجاء لفظه مرصعاً بالبيان، ونحوه مجلياً للسان، متحديا الانس والجان، والكذّب الكَهّان، فكان للعربية ملاذاً ولنحوها سداداً، فطلبته الدراسات، وتناولته الكتابات، فسرت في الاثر مقتفياً، وبالهدى محتفياً، مختاراً قراءاته، وما فيها من وجوه الإعراب، وتقليب الاراء والالباب، في مسائلها المغلقات، وأمورها المبهمات على من لايفقه علمها، أو من لا يدري عللها، وكان عنوان الدرس " الخلاف النحوي في القراءات القرآنية " رأيت فيها فائدة الاقتراب من لغة القرآن ونحوها، وحاجة الطلاب إلى معالم الكتاب، وإيماناً مني بأن نحو القرآن هو نحو التصويب اللغوي العام في كل زمان ومكان، يرتبط به اللسان ارتباط العنان، واتصال الجنان بما فيه من أمان واطمئنان، وقربى من رب الاكوان.
وقد حددت معالم الدرس بثلاثة فصول هي المرفوعات بأقسامها المختلفة المبتدآت والأخبار والاشتغال والتوابع المرفوعة والفاعل ونائبه والبرغثة والمنصوبات بأقسامها المحددة بالمفاعيل والحال والتمييز والتوابع المنصوبة. والمخفوضات بأقسامها الإضافة المحضة وغير المحضة والنعت والبدل والعطف أما التوكيد فقد كان قليلاً في أقسام التوابع الثلاثة رفعاً ونصباً وخفضاً وصدرتها بتناول القراء واللغويين والنحويين القراءات وحروفها ولهجاتها ونحوها ودعوات المنصفين إلى النحو القرآني تيسيراً للنشيء، وإجلالاً للنص القرآني المقدس، وختمتها بخلاصةٍ لما توصلت إليه من نتائج تبين رؤية النحويين الأقدمين إلى حقائق الإعراب، ودلالات التراكيب النحوية، ونسبت بعض الأقوال إلى أصحابها على غير ما هو
¬__________
(¬1) العلق: 3، 4، 5.