وأما صناعة العمل فقد تنقسم قسمين: عمل صناعي وعمل بهيمي.
فالعمل الصناعي أعلاهما رتبة لأنه يحتاج إلى معاطاة في تعلمه ومعاناة في تصوّره فصار بهذه النسبة من المعلومات الفكرية والآخرة إنما هو صناعة كدّ وآلة مهنة وهي الصناعة التي تقتصر عليها النفوس الرذلة وتقف عليها الطباع الخاسئة كما قال أكثم بن صيفي: لكل ساقطة لاقطة وكما قال المتلمس:
ولا يقيم على ضيم يسام به ... إلّا الأذلان عير الحيّ والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثى له أحد
وأما الصناعة المشتركة بين الفكر والعمل فقد تنقسم قسمين: أحدهما أن تكون صناعة الفكر أغلب والعمل تبعا كالكتابة. والثاني أن تكون صناعة العمل أغلب والفكر تبعا كالبناء وأعلاهما رتبة ما كانت صناعة الفكر أغلب عليها والعمل تبعا لها فهذه أحوال الخلق التي ركبهم اللّه عز وجل عليها في ارتياد موادّهم ووكلهم إلى نظرهم في طلب مكاسبهم وفرق بين هممهم في التماسها ليكون ذلك سببا لألفتهم. فسبحان من تفرّد فينا بلطيف حكمته وأظهر لفطنتنا عزائم قدرته. وإذ قد وضح القول في أسباب المواد وجهات الكسب فليس يخلو حال الإنسان فيها من ثلاثة أمور:
أحدها أن يطلب منها قدر كفايته ويلتمس وفق حاجته من غير أن