اغتربوا لا تضووا.
وأما الثالث من أسبابها وهي التجارة فهي فرع لمادتي الزرع والنتاج فقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: تسعة أعشار الرزق في التجارة والحرث والباقي في السائبات وهي نوعان تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر وهذا تربص واحتكار وقد رغب عنه ذوو الأقدار وزهد فيه ذوو الأخطار والثاني تقلب بالمال بالأسفار ونقلة إلى الأمصار فهذا أليق بأهل المروءة وأعم جدوى ومنفعة غير أنه أكثر خطرا وأعظم غررا فقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «إن المسافر وماله لعلى قلت إلّا ما وقى اللّه» يعني على خطر.
وفي التوراة يابن آدم أحدث سفرا أحدث لك رزقا.
أما الرابع من أسبابها وهو الصناعة فقد يتعلق بما مضى من الأسباب الثلاثة وتنقسم أقسامها ثلاثة: صناعة فكر وصناعة عمل وصناعة مشتركة بين فكر وعمل لأن الناس آلات للصناعة فأشرفهم نفسا متهيىء لأشرفها جنسا كما أن أرذلهم نفسا متهيىء لأرذلها جنسا لأن الطبع يبعث على ما يلائمه ويدعو إلى ما يجانسه. وحكي أن الإسكندر لما أراد الخروج إلى أقاصي الأرض قال لأرسطاطاليس: أخرج معي قال: قد نحل جسمي وضعفت عن الحركة فلا تزعجني قال: فما أصنع في عمالي خاصة قال: أنظر إلى من كان له عبيد فأحسن سياستهم قوله الجنود ومن كانت له ضيعة فأحسن تدبيرها فوله الخراج فنبه باعتبار الطباع على ما أغناه عن كلفة التجربة.