وقال بعض الحكماء: من رضي أن يمدح بما ليس فيه فقد أمكن الساخر منه. وروي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «إياكم والتمادح فإنه الذبح إن كان أحدكم مادحا أخاه لا محالة فليقل أحسب ولا أزكي على اللّه أحدا» وقيل فيما أنزل اللّه عز وجل من الكتب السالفة: عجب لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح وعجب لمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب. وقال بعض الشعراء:
يا جاهلا غرّه إفراط مادحه ... لا يغلبن جهل من أطراك علمك بك
أثنى وقال بلا علم أحاط به ... وأنت أعلم بالمحصول من ريبك
وهذا أمر ينبغي للعاقل أن يضبط نفسه عن أن يستفزها ويمنعها من تصديق المدح لها فإن للنفس ميلا لحب الثناء وسماع المدح. وقال الشاعر:
يهوى الثناء مبرّز ومقصر ... حب الثناء طبيعة الإنسان
فإذا سامح نفسه في مدح الصبوة وتابعها على هذه الشهوة تشاغل بها عن الفضائل الممدوحة ولها بها عن المحاسن الممنوحة فصار الظاهر من مدحه كذبا والباطن من ذمه صدقا وعند تقابلهما يكون الصدق الزم الأمرين وهذه خدعة لا يرتضيها عاقل ولا ينخدع بها مميز. وليعلم أن المتقرّب بالمدح يسرف مع القبول ويكف مع الأباء فلا يغلبه حسن الظن على تصديق مدح هو أعرف بحقيقته ولتكن تهمة المادح أغلب عليه فقلّ مدح كان جميعه صدقا وقلّ ثناء كان كله حقا ولذلك كره أهل الفضل أن يطلقوا ألسنتهم بالثناء والمدح تحرّزا من التجاوز فيه وتنزيها عن التملق به. وقد روى مكحول قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تكونوا عيابين ولا تكونوا لعانين