التواضع والشرف.
وللكبر اسباب فمن أقوى أسبابه علوّ اليد ونفوذ الأمر وقلة مخالطة الأكفاء. وحكي أن قوما مشوا خلف علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقال: أبعدوا عني خفق نعالكم فإنها مفسدة لقلوب نوكى الرجال ومشوا خلف ابن مسعود فقال: ارجعوا فإنها زلة للتابع وفتنة للمتبوع. وروى قيس ابن حازم أن رجلا أتى به للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأصابته رعدة فقال له صلّى اللّه عليه وسلّم: هوّن عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد وإنما قال ذلك صلّى اللّه عليه وسلّم حسما لموادّ الكبر وقطعا لذرائع الإعجاب وكسرا لإسراف النفس وتذليلا لسطوة الإستعلاء. ومثل ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه نادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلى على نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم قال: أيها الناس لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم فيقبضن لي القبضة من التمر والزبيب فأظل اليوم وأيّ يوم فقال له عبد الرحمن بن عوف: واللّه يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قصرت بنفسك فقال عمر رضي اللّه عنه: ويحك يا ابن عوف اني خلوت فحدثتني نفسي فقالت: أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك فأردت أن أعرّفها نفسها. وللإعجاب أسباب: فمن أقوى أسبابه كثرة مديح المتقرّبين وإطراء المتملقين الذين جعلوا النفاق عادة ومكسبا والتملق خديعة وملعبا فإذا وجدوه مقبولا في العقول الضعيفة أغروا أربابها باعتقاد كذبهم وجعلوا ذلك ذريعة