وقد يخالف هذه الدعوة آخرون مِمَّن يرون ان اللغة العربية ذات مستويات ثلاثة هي: المستوى الاول الذي تمثله لغة القرآن الكريم، والمستوى الثاني الذي تمثله لغة عليا هوازنَ وسفلى تميم وما قاربها محصورةً بمنتصف القرن الثاني الهجري، والمستوى الثالث الذي تمثله العربية العامة التي تتخذ مظاهر مختلفة عند المستعملين، ولذلك يرون في المستوى الثاني لغة ذات مستوى معين حددت سلفا لكي تفي بمستلزمات النص القرآني وفهمه، (¬2) وأن النحويين لم يتذكروا انهم يقعدون للعربية العامة، وانهم انصرفوا الى لغة فهم النص القرآني لا الى لغة النص القرآني عينه، (¬3) ولذلك فهم يريدون الاخذ باللغة العربية العامة منحدرين الى المستوى الثالث، وفي هذا اختلاف كبير مع سابقيهم فيما يدعون من نحو قرآني ينهض بتدارس لغة القرآن الكريم سعياً لضبط قوانين العربية وقواعدها على ما فيه من أساليب وتراكيب بلاغية، فاقت سائد المستوى الثاني في وقته المحدد مكاناً وزماناً، وأقبل عليها ابناء لغة المستوى الثاني مهللين ومنبهرين بلفظها البديع ومعناها المنيع.
واذا كانت الظواهر الكونية والاجتماعية مشتملة في جواهرها على قوانينها الضابطة لوجودها وعلاقاتها وحركتها، فان اللغة – وهي ظاهرة اجتماعية- تشتمل على قوانينها الخاصة بها، ولكل نص تركيبي قوانينه الضابطة له، فالنص كغيره من الظواهر له ميلاد محكوم بقانون، ووظيفة عالم اللغة الكشف عن هذا القانون، فالنص سابق للقانون، والقانون لاحق للنص اللغوي، وكذلك الامر مع لغة القرآن الكريم فهي ظاهرة كونية اجمتاعية، سبقت التأصيل النحوي وتقعيد القواعد، بل إن النحو جاء استجابة استدعتها النصوص القرآنية لبيان ما فيها من معانٍٍ وما ترمي اليه من مساعٍ، ولاجلاء علاقات التركيب فيها لدراسي
¬__________
(¬1) ينظر: حجة أبي زرعة، المقدمة: 18 - 19، النحو الجديد، عبد المتعال الصعيدي: 218، القرآن الكريم وآثره، د. مكرم: 347، نحو القرآن، د. الجواري: 6.
(¬2) ينظر: النحو العربي والدرس الحديث، د. عبد الراجي: 51.
(¬3) ينظر: م. ن.