عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ... ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
فلزم من هذا الوجه أيضا أن يتحرز من دخلاء أهل السوء ويجانب أهل الريب ليكون موفور العرض سليم الغيب فلا يلام بملامة غيره ولهذا قيل: التثبت والإرتياء ومداومة الإختبار والإبتلاء متعذر بل مفقود. وقد ضرب ذو الرمة مثلا بالماء فيمن حسن ظاهره وخبث باطنه فقال:
ألم تران الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا
ونظر بعض الحكماء إلى رجل سوء حسن الوجه فقال: أما البيت فحسن وأما الساكن فرديء فأخذ جحظة هذا المعنى فقال:
رب ما أبين التباين فيه ... منزل عامر وعقل خراب
وأنشدني بعض أهل العلم:
لا تركنن إلى ذي منظر حسن ... فرب رائعة قد ساء مخبرها
ما كل أصفر دينار لصفرته ... صفر العقارب أرداها وأنكرها
ثم تقدّم من قول الحكماء: من لم يقدّم الإمتحان قبل الثقة والثقة قبل الأنس أثمرت مودّته ندما. وقال بعض البلغاء: مصارمة قبل اختبار أفضل من مؤاخاة على اغترار. وقال بعض الأدباء: لا تثق بالصديق قبل الخبرة ولا تقع بالعدوّ قبل القدرة. وقال بعض الشعراء:
لا تحمدنّ امرأ حتى تجرّبه ... ولا تذمّنه من غير تجريب
فحمدك المرء ما لم تبله خطأ ... وذمّك المرء بعد الحمد تكذيب