عدوّك من صديقك مستفاد ... فلا تستكثرنّ من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب
ودع عنك الكثير فكم كثير ... يعاف وكم قليل مستطاب
فما اللجج الملاح بمرويات ... وتلقى الريّ في النطف العذاب
وقال بعض البلغاء: ليكن غرضك في اتخاذ الإخوان واصطناع النصحاء تكثير العدّة لا تكثير العدّة وتحصيل النفع لا تحصيل الجمع فواحد يحصل به المراد خير من الف تكثّر الأعداد.
وإذا كان التجانس والتشاكل من قواعد الأخوّة وأسباب المودّة كان وفور العقل وظهور الفضل يقتضي من حال صاحبه قلة إخوانه لأنه يروم مثله ويطلب شكله وأمثاله من ذوي العقل والفضل أقل من أضداده من ذوي الحمق والنقص لأن الخيار في كل جنس هو الأقل فلذلك قل وفور العقل والفضل. وقد قال اللّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ
فقل بهذا التعليل إخوان أهل الفضل لقلتهم وكثر إخوان ذوي النقص والجهل لكثرتهم. وقد قال في ذلك الشاعر:
لكل امرىء شكل من الناس مثله ... فأكثرهم شكلا أقلهم عقلا
وكل أناس آلفون لشكلهم ... فأكثرهم عقلا أقلهم شكلا
لأن كثير العقل لست بواجد ... له في طريق حين يسلكه مثلا
وكل سفيه طائش إن فقدته ... وجدت له في كل ناحية عدلا
وإذا كان الأمر على ما وصفنا فقد تنقسم أحوال من دخل في عدد الإخوان أربعة أقسام: منهم من يعين ويستعين ومنهم من لا يعين ولا