إذا أنت عاتبت الملول فإنما ... تخط على صحف من الماء أحرفا
وهبه ارعوى بعد العتاب ألم تكن ... مودّته طبعا فصارت تكلفا
وهم نوعان منهم من يكون ملله استراحة ثم يعود إلى المعهود من إخائه فهذا أسلم المللين وأقرب الرجلين يسامح في وقت استراحته وحين فترته ليرجع إلى الحسنى ويؤوب إلى الإخاء وأن تقدم المثل بما نظمه الشاعر حيث قال:
وقالوا: يعود الماء في النهر بعدما ... عفت منه آثار وجفت مشارعه
فقلت: إلى أن أين يرجع الماء عائدا ... ويعشب شطاه تموت ضفادعه
لكن لا يطرح حقه بالتوهم ولا يسقط حرمته بالظنون. وقال الشاعر:
إذا ما حال عهد أخيك يوما ... وحاد عن الطريق المستقيم
فلا تعجل بلومك واستدمه ... فإن أخا الحفاظ المستديم
فإن تك زلة منه وإلا ... فلا تبعد عن الخلق الكريم
ومنهم من يكون ملله تركا وإطراحا ولا يراجع إخاء ولا ودّا ولا يتذكر حفاظا ولا عهدا كما قال أشجع بن عمرو السلمى:
إني رأيت لها مواصلة ... كالسم تفرعه على الشهد
فإذا أخذت بعهد ذمتها ... لعب الصدود بذلك العهد
وهذا أذم الرجلين حالا لأن مودّته من وساوس الخطرات وعوارض الشهوات وليس إلّا استدراك الحال معه بالإقلاع قبل المخالطة وحسن المتاركة بعد الورطة كما قال العباس بن الأحنف:
تداركت نفسي فعزيتها ... وبغضتها فيك آمالها