ما الناس إلّا آلة معتمله ... للخير والشر جميعا فعله
والسبب الثاني- أن يرى في حاله فضلا عن حاجته في يده زيادة عن كفايته فيرى انتهاز الفرصة بها فيضعها حيث تكون له ذخرا معدّا وغنما مستجّدا. وقد قال الحسن البصري رحمه اللّه: ما أنصفك من كلفك إجلاله ومنعك ماله. وقيل لهند بنت الحسن: من أعظم الناس في عينك؟ قالت من كان لي إليه حاجة. وقال الشاعر:
وما ضاع مال ورّث الحمد أهله ... ولكنّ أموال البخيل تضيع
والسبب الثالث- أن يكون لتعريض يتنبه عليه لفطنته وإشارة يستدل عليها بكرمه فلا يدعه الكرم أن يغفل ولا الحياء أن يكف. وقد حكي أن رجلا ساير بعض الولاة فقال: ما أهزل برذونك؟ فقال: يده ما أيدينا فوصله اكتفاء بهذا التعريض الذي بلغ ما لا يبلغه صريح السؤال. ولذلك قال أكثم بن صيفي: السخاء حسن الفطنة واللؤم سوء التغافل. وحكي أن عبيد اللّه بن سليمان لما تقلد وزارة المعتضد كتب إليه عبد اللّه بن عبد اللّه ابن طاهر:
أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا فيمن نحب ونكرم
فقلت له: نعماك فيه أتمها ... ودع أمرنا إن المهم مقدّم
فقال عبيد اللّه: ما أحسن ما شكا أمره بين أضعاف مدحه ثم قضى حاجته. وقال بعض الشعراء: