والسبب الرابع- أن يكون ذلك رعاية ليد أو جزاء على صنيعة فيرى تأدية الحق طوعا إما أنفة وإما شكرا ليكون من أسر الإمتنان طليقا ومن رق الإحسان وعبوديته عتيقا. وقال بعض الحكماء: الإحسان رق والمكافأة عتق. وقال أبو العتاهية رحمه اللّه تعالى:
وليست أيادي الناس عندي غنيمة ... ورب يد عندي أشدّ من الأسر
والسبب الخامس- أن يؤثر الإذعان بتقديمه والإقرار بتعظيمه توطيدا لرئاسة هو لها محب وعلى طلبها مكب. وقد قال الشاعر:
حب الرئاسة داء لا دواء له ... وقلما تجد الراضين بالقسم
فتستصعب عليه إجابة النفوس له طوعا إلّا بالإستعطاف وإذعانها إلّا بالرغبة والإسعاف. وقد قال بعض الأدباء: بالإحسان يرتبط الإنسان وقال بعض البلغاء: من بذل ماله أدرك آماله. وقال بعض الشعراء:
أ ترجو أن تسود بلا عناء ... وكيف يسود ذو الدعة البخيل
والسبب السادس- أن يدفع به سطوة أعدائه ويستكف به نفار خصمائه ليصيروا له بعد الخصومة أعوانا وبعد العداوة إخوانا إما لصيانة عرض وإما لحراسة مجد. وقد قال أبو تمام الطائي:
ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد ... ولا المجد في كف امرىء والدراهم
ولم أر كالمعروف تدعي حقوقه ... مغارم في الأقوام وهي مغانم
وقال بعض الأدباء: من عظمت مرافقه أعظمه مرافقه:
والسبب السابع- أن يرب به سالف صنيعة أولاها ويراعى به قديم نعمة أسداها كيلا ينسى ما أولاه أو يضاع ما أسداه فإن مقطوع البر ضائع ومهمل الإحسان ضال. وقد قال الشاعر:
وسمت امرأ بالبر ثم اطرحته ... ومن أفضل الأشياء رب الصنائع
وقال محمد بن داود الأصبهاني:
بدأت بنعمى أوجبت لي حرمة ... عليك فعد بالفضل فالعود أحمد