إن ذكر حروب الردة وحرب اليمامة بالأخص قد نبهت المسلمين الى امر عظيم الخطر وهو ازدياد القتل بين حملة القرآن وحفظته وقرائه، وهذا الامر أدخل الخوف على القرآن من هذا الحادث ونظائره في أمصار أخرى، (¬1) لذلك بدأ التفكير في جمع القرآن في مصحف واحد يحفظ بين أيدي المسلمين.
ومع عظم حادث حرب اليمامة وما أصاب القراء وهو ما عُدّ سبباً في جمع أبي بكر القرآن مكتوباً فإن اقبال أبي بكر على ذلك مختلف في سببه على وجوه هي:
اولا: ان حرب اليمامة قد أصاب عمر بالفرق من اشتداد القتل في صفوف قراء كتاب الله، فأخذه هذا الفرق الى أن يطلب من أبي بكر ان يقوم بجمعه، وقد خشي ابو بكر هذا لأن ذلك أمر ـ كما يقال ـ لم يفعله الرسول (- صلى الله عليه وسلم -)، وكيف يقدم عليه هو؟ فرد عليه عمر (- رضي الله عنه -) انه خير فقبل أبو بكر وانتدبا زيداً لذلك وقد استهول الامر ولكنهما اقنعاه فقام بجمعه من مدوناته ومن صدور الناس. (¬2) فبقى المصحف عند أبي بكر ثم عمر فحفصة (توفيت في خلافة عثمان (- رضي الله عنه -))، وهذا الامر هو الشائع لدى الباحثين.
ثانيا: أن أبا بكر عندما استحرّ القتل بالقراء يوم اليمامة قد فرق لذلك فأمر عمر وزيداً بجمع القرآن والوقوف على باب المسجد ليستوقفا الناس عما معهم من كتاب الله مستشهدين على ذلك شاهدين، فكتبا مارُوي في المصحف الذي عرف عن أبي بكر، (¬3) وفي هذا يكون الدافع ذاتياً عند أبي بكر، وعمر أحد مَنْ يكتب الايات والسور عن الاخرين.
¬__________
(¬1) ينظر: البرهان للزركشي: 1/ 295.
(¬2) ينظر: المصاحف: 11، 12 - 13، 15، بيان السبب الموجب: 244، مقدمتان: 273، البرهان للزركشي: 1/ 295، النشر: 1/ 7، الاتقان: 1/ 164، كشف الاسرار: 405، رسم المصحق، د. غانم: 101، اثر القرآن والقراءات: 53، القراءات بافريقية: 68.
(¬3) ينظر: المصاحف: 12.