وهناك خلاف فيمن جمعه فاكثر الرويات تسند جمعه الى زيد بن ثابت، وهنالك رويات أخر مفادها أن جمعاً من الرجال يكتبون وكان أبي يملي عليهم القرآن، ويرى آخرون ان ممن جمعوا القرآن لأبي بكر سالماً مولى حذيفة، وقول آخر يقول إن ابا بكر قد ندب للكتابةِ خمسة وعشرين قرشياً وخمسين أنصارياً، وطلب منهم ان يعرضوا ما يكتبونه على سعيد بن العاص (ت 59هـ) لفصاحته، (¬2) ولكن الاخذ العام على أن زيداً هو الذي تكفل بالمهمة في ذلك.
وان كان قد اختلف في سبب جمع أبي بكر القرآن وفيمن ندبه للكتابة، فان هنالك من يجعل عمر هو الآمر بكتابة القرآن الكريم، قال ابو داود السجستاني (ت 316هـ): " ان عمر بن الخطاب سأل عن آية ... فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال: إنّا لله، وامر بالقرآن فجمع، وكان أول من جمعه في المصحف " (¬3) ويقال إنه قد خص زيداً بجمعه، وقال في موضع اخر لا يملينّ إلاّ غلمان قريش وثقيف، وطلب ارجاع الاختلاف الى لغة مُضر لأن القرآن مضريّ، وقال في موضع غيره يُرجع في الاختلاف الى لغة قريش لانه منزل بها، ويرى آخرون أنه قد قتل قبل اتمامه، ولكن مكياً يبين خلاف ذلك برواية زيد انه قد كتبه لأبي بكر في الأدم والاكتاف فلما قضى ابو بكر كتبه عمر في صحيفة واحدة، (¬4) وربما يكون هذا متوافقاً مع الحدث التاريخي من وجه، ومع تقدم مواد المكتوب فيه من لخاف واكتاف ورقاع وأدم وصحف من وجه اخر.
أما مرحلة عثمان فقد اختلف الناس في كثير من الامور بشأنها، وهي وإن عدت كذلك فقد مثلت أرقى مرحلة جمعت العالم الاسلامي ـ في حينها ـ على مصحف واحد عُمِّمَ حرفه على أمصار الدولة مشفوعا بقارئ يبين لهذا المصر او ذاك طرائق القراءة ووجوه
¬__________
(¬1) ينظر: م. ن: 16، 27 - 28.
(¬2) ينظر: المصاحف: 12، 16، 27 - 28، مقدمتان: 20 - 21.
(¬3) م. ن: 16.
(¬4) ينظر: م. ن: 17، 18، الصاحبي: 28، الابانة: 26، 58، المفصل د. جواد علي: 8/ 139، تاريخ القرآن الزنجاني: 42.